بدلا من أن تكون في غاية السعادة والرضا بعد أن رزقها الله بطفل طالما تمنته وحلمت باليوم الذي تراه فيه، راودتها مشاعر سلبية قتلت فرحتها وأبدلتها بالحزن والكآبة، فباتت سريعة الإنفعال، تشعر بالذنب، تعجز عن الإستمتاع بالأشياء، تفشل في تدبر الأمور وفقدت القدرة على التركيز.
ولم تدر فاطمة بعد أن وضعت مولودها السبب الحقيقي الذي جعلها تشعر بالخوف والقلق والإحباط الشديد لدرجة جعلتها كثيرة البكاء وتشعر بالتعاسة.
ويشخص الأطباء الحالة التي تعاني منها فاطمة وغيرها من الأمهات بـ إكتئاب ما بعد الولادة وهو حالة مؤقتة تصيبهن بسبب التغيرات السريعة التي تحدث بمستوى الهرمونات بعد الوضع مما يؤدي إلى النزوع إلى التفكير السلبي والإحساس بالقنوط وقد تصل إلى درجة الإكتئاب مما يكرس الإحساس بأنهن أمهات غير صالحات.
وينقسم إكتئاب ما بعد الولادة إلى نوعين:
1= الكآبة النفاسية وهي حالة شائعة جدا وهى نوع خفيف من الإكتئاب يحدث لثمانية من كل عشرة نساء خلال الأيام الأولى التي تلي ولادة الطفل، وعندما تصاب النساء بهذه الحالة يصبحن فى غاية الحساسية كما يمكنهن البكاء من دون سبب معين، وفى أوقات كثيرة تشعر الأمهات الجدد بالقلق والتوتر والإرهاق.
كما قد تفقد الأمهات في هذه الحالة المتعة بالأشياء والعادات اللواتي كن يمارسنها، كما تختلف الأعراض من إمرأة إلى أخرى وتشمل أيضا الإحساس بالتعب والإرهاق الشديد وفقدان الأمل والعجز وتغيرات في الشهية والتوتر وصعوبة في التركيز وعدم القدرة على إتخاذ القرارات وخفقان القلب والنخز والإحساس بالفزع.
كما تختلف الحالة من امرأة إلى أخرى من حيث الشدة والقدرة على مقاومته فقد يستمر عند بعض النساء لعدة شهور، فيما تتخلص منه أخريات خلال أيام.
وبإمكان الأمهات اللواتي يعانين من إكتئاب ما بعد الوضع المعتدل، الإعتناء بأطفالهن وممارسة نشاطاتهن اليومية، في حين ربما يستحوذ على الأخريات التوتر والقلق لدرجة يفقدن معها القدرة على الإعتناء بأنفسهن أو أطفالهن.
2= الذهان النفاسى وهو أقل شيوعا ويحدث لأم واحدة من بين ألف أم ولكنه أكثر حدة من إكتئاب ما بعد الولادة، وعادة تبدأ هذه الحالة بصورة مفاجئة أثناء الأسبوعين الأولين من الولادة وتصاحبها حالة من الاضطرابات الحادة حيث تعاني المرأة المصابة به بما يسمى الإنفصال عن الواقع، فتخسر الوزن بسرعة من دون إتباع أي نظام غذائي خاص ولا تستطيع النوم أحياناً لفترة تتجاوز الـ 48 ساعة، وتعاني من الأوهام والهلوسات.
ويمكن للنساء المصابات بهذه الحالة أن يصبحن في غاية الإضطراب والتشوش ويمكن أن يكون لديهن إعتقادات مقلقة عن أنفسهن أو عن طفلهن.
وتحتاج المصابات بهذا النوع إلى مساعدة طبيب نفسي، ويجب عليهن طلب المساعدة من الطبيب العمومي على الفور، وعادة يشمل العلاج بعض الأدوية وقضاء وقت قصير بوحدة الأمهات والأطفال.
وبالرغم من أن الذهان النفاسي يمكن أن يكون مقلقا ومرعبا للأم الجديدة ولأسرتها إلا أن من المهم تذكر أن هذا العلاج ناجع جدا وتشفى منه تماما أغلب النساء.
[] لماذا تكتئبين؟
يرجع الخبراء هذه الحالة من التوتر إلى التغيرات السريعة التي تحصل بعد الوضع في مستوى الهرمونين الأنثويين الاستروجين والبروجيستيرون والتي تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية للمرأة.
فالمعروف أن المبيضين والمشيمة هي التي تفرز البروجيستيرون والإستروجين، لتمكين الرحم من إحتضان البويضة الملقحة والحفاظ عليها، ويرتفع مستوى هذين الهرمونين 10 أضعاف خلال فترة الحمل، وإنخفاض مستواهما بشكل حاد قد يؤدي إلى الإجهاض.
وبعد الوضع، ينخفض مستوى البروجيستيرون بشكل كبير إلى أن يصل إلى ما كان عليه قبل الحمل في غضون 72 ساعة بعد الوضع.
ويعتقد الخبراء أن هذا الإنخفاض الدراماتيكي في مستوى الهرمونات الأنثوية يلعب دوراً مهما في الإكتئاب الذي تصاب به العديد من النساء بعد الوضع.
وخلال فترة الحمل يرتفع مستوى الإندورفينات، وهي مواد طبيعية تعمل على تحسين المزاج، بيد أن مستوى هذه المواد ينخفض بشكل حاد بعد الحمل، الأمر الذي قد يساهم في تعزيز إحتمالات الإصابة بالإكتئاب.
وبالإضافة إلى هذه التغيرات الفيزيائية، هناك عوامل أخرى ربما تساهم في الإصابة بإكتئاب ما بعد الوضع وتشمل الحمل الصعب أو الولادة الصعبة والمشاكل الزوجية والرضيع المتطلب جداً وإحساس المرأة بأنها لم تعد حاملا.
[] تخطي الأزمة:
ومن أجل التخلص من هذه المشاعر السلبية عليكي أيتها الأم أن تدركي أنها حالة مؤقتة وستزول تلقائيا، وتستعيني بالإستغفار والدعاء، وتركزي تفكيرك في الإستمتاع بالأمومة وجمع معلومات عن المسئوليات والمهام المتعلقة برعاية الأطفال من خلال الكتب والمجلات الخاصة برعاية الأطفال والإستفادة من مهارات النساء اللواتي يتمتعن بخبرة كبيرة في هذا المجال، كما يكون دور الأهل والأقارب مهما لمساعدة الأم في هذه المرحلة لاسيما الزوج.
وسترتاحين إذا تكلمتِ عن مشاعرك فيمكنك اللجوء إلى زوجك أو صديقتك الحميمة، وحاولي إتباع نظام غذائي صحي، إذا كنت تعانين من فقدان الشهية، فإن تناول وجبات صغيرة ومنتظمة هو الحل الأفضل لتخطي هذه المشكلة.
وحاولي الحصول على قسط وافر من الراحة، نامي إذا استطعت وإسترخي وخذي قليلولة إذا عجزتِ عن النوم، وإذا إهتم أحد أقاربك بطفلك في الصباح أو بعد الظهر، إخلدي إلى الفراش وتناولي مشروباً ساخنا، ولا تقسي على نفسك فأنت مريضة وبحاجة إلى بعض الوقت لتتعافى، لا تُثقلي كاهليك بمهمات غير ضرورية وأجلي القرارات المصيرية أو المهمات، رفهي عن نفسك وسوف تشعرين بالتحسن مع الوقت.
ومن المهم ألا تكوني بمفردك كل يوم وطوال اليوم، قومي بملاقاة أصدقائك أو أمهات أخريات.
[] دور الزوج:
يمثل الزوج طريق السلام بالنسبة للزوجة التي تعاني من إكتئاب ما بعد الولادة، وبإستطاعته أن يساعد زوجته على تجاوز محنتها، ولذلك ينبغي عليه أن يكون متنبها لمشاعر الحزن التي تصيبها ومشاكل النوم والإبتعاد عن الأصدقاء والعائلة والشعور بالتوتر والقلق والإحساس بالذنب والغضب.
وهناك الكثير من الأشياء التي يجب أن يضعها الزوج وجميع أفراد العائلة والأصدقاء في إعتبارهم، منها أن إكتئاب ما بعد الوضع هو مرض حقيقي، والأم التي تعاني منه لم تصب بالجنون بل إنها تتفاعل بعض التغيرات الجذرية في حياتها وحياة طفلها، ولا ينبغي على الزوج الحكم على مشاعر وردود أفعال زوجته بإنتقادها أو عرض الحلول التي ليست هي بحاجة إليها، بل على العكس عليه أن يصغي لها ويتعاطف معها.
وعليك أيها الزوج أن تكون ودودا وصبوراً مع زوجتك وتغمرها بالكلمات الحانية وتكرر على مسامعها أنك تحبها وسعيد بها وبمولودكما، وأن تبادر بعرض المساعدة من دون أن تطلب هي ذلك وهو ما يخفف عنها ويساعدها على تخطي تلك المرحلة الحرجة.
الكاتب: أميرة زكي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.